في الأعمال الدرامية لا يكون بطل القصة بالضرورة المثال الذي يراد الاحتذاء به بل يكون غالباً تصويراً واقعياً لشخصية تتعرض لتحديات خارجية تتحول في ذروتها إلى تحد داخلي نفسي أو عاطفي. وتتجلى في هذا الصراع سمات البطل وأفعاله بما فيها من صواب وخطأ أو خير وشر. هذا الصراع يمكّن كاتب القصة من سبر أغوار النفس البشرية وبناء سيناريو يحكم عليه القارئ أو المشاهد. في هذه الدراما يدرك المشاهد أن البطل لا يمثل بالضرورة الخير وإن مثله فليس تمثيلاً مطلقاً بل لجزئية تلامس معنىً سامياً في نفس البطل. وهو كذلك إن وضعته القصة في جانب الشر فلا يشترط أن يمثله مطلقاً وإنما يمثله على الأغلب جزئياً. هذه الحالة الدرامية الواقعية تبلغ الغاية في الخطورة حين تجعل الحاجة ماسة سينمائياً للمؤثرات العاطفية والإخراج الماكر والرسائل المبطنة من أجل مضاعفة التأثير اللا أخلاقي على المشاهد لأن بطل القصة لا يكفي لهذا الدور فهو ليس قدوة له.
الأمر مختلف عندما ننتقل إلى نوعية أخرى من القصص وهي قصص
الأبطال ذوي القدرات الخارقة Superhero وأشهر أمثلتها الرجل الخارق سوبرمان والرجل الوطواط باتمان. فهذه القصص لا تعتمد على الصراع النسبي بين الخير والشر بل تتخلى عن هذا الواقع وتتجه نحو دراما ساذجة تتكئ على الصراع المطلق بين الخير المطلق والشر المطلق اللذين يمثلان ببطل ومجرم. وبالتالي يغيب الصراع الداخلي الذي يعتمل داخل نفس البطل إذ لا حاجة له فالبطل هو الخير نفسه. وهنا يبرز معنى الكمال المتجسد في شخص والمثال الذي تهفو إليه أفئدة الأطفال ويدغدغ كبرياء الرجال وأحلام النساء.
مكمن الخطورة في هذا النوع من القصص هو في إمكانية تشويه معنى الكمال وصورته في الأخلاق والصفات لدى القارئ أو المشاهد وذلك بتفكيك منظومة الأخلاق ثم تزوير معنى الكمال ليصبح بمعنى الإفراط الرهيب في استخدام كل خلق أو صفة على حدة. وكثيراً ما يكون هذا الإفراط من أجل تلبية النزوات وتحقيق الذات. فالبطل إذا غضب استشاط حتى يضرب بعنف، وإذا ضرب دمر وقتل، وإذا قتل أساء القتلة. وهو إن خاصم فجر في خصومته وإن حقد انتقم شر انتقام وإن قدم التضحيات فبنفسه ونفوس الأبرياء المجهولين وإن عفا فحتى عن الغدّار المتربص.
ولعل فيلم الرجل الحديدي Iron Man (الجزء الأول) يعد مثالاً جيداً على ما سبق. فالسمة العامة للبطل هو الطيش أي أنه شديد الإفراط في إظهار صفاته. فيصل به تقدير الذات والثقة بالنفس إلى حد الغرور وعبادة الشهرة والأضواء فنراه في آخر الفيلم يصرح للصحافة بأنه هو الرجل الحديدي. ونرى أنه لمجرد الانتقام من آسريه يقطع عشرات الآلاف من الكيلومترات ليصل إلى أعدائه وينتقم منهم في أفغانستان. ونراه كذلك كيف يفرط في استخدام القوة كمنطق لحل الصراع بين الخير والشر. وفي تشويه آخر لمعنى كمال الرجولة يصوره الفيلم بالرجل الأعزب الفاحش الثراء صاحب المغامرات اللا عاطفية حتى ينظر إليه كزير نساء.
قد يعترض أحدهم بأن البطل الخارق لا يمثل الكمال فلا تعدّ أخلاقه وصفاته تشويهاً لهذا المعنى الراقي. هو اعتراض وجيه خاصة بالنسبة لأحدث الأفلام من هذا النوع. ولكن اسأل طفلاً عن مشاعره تجاه البطل الخارق المنقذ والمخلص بل اسأل بائعي لعب الأطفال وأزياء التنكر وستجد الجواب أن هؤلاء أنبياء عصر السينما.
فعلاً عين واعية ونفس مدركة لما هو بين السطور وخلف الأكام.هي هذه المندونة.
ردحذفحقيقة الإعلام وافلامة ومسلسلاته وإعلاناته كلها متمركزة على اهواء النفس وغرائزها بدون حد فاصل من اخلاق أو قيم ..و نحن مندفعون بكل هروب من قيمنا وثقافتنا.
وراء هذا اللهث المسعور لأستنزاف ما يمكن ان نمتلكه من ارتباط بالله وما جأت به السماء من تعليمات هي بعيدة كل البعد عن الواقع وما يراد لهذه الأمة الفتية.
حيا الله جهودكم وبارك اعمالكم .
اخي العزيز ابو ملاك
ردحذفاشكر لكم هذا المقال الرائع ولكن يتضح لي غياب فكرة اساسية من افكر هذا العمل السنمائي وهي في الواقع فككرة مبطنه جزائيا وهذه الفكرة المبطنة هي فكرة سياسية تتحدث عن فساد النظام الامريكي والذي يقوم بتمويل الارهاب وذلك لمساهمتة الاهراب في فتح ابواب للقوى الامريكية بالسيطرة والتوغل في اراضي الاسلام والمسلمين ومنها افغانستان كما هو موضح في هذا الفيلم
من وجهة نظري الشخصية مهما كانت صفات هذا البطل السيئة اكتفي بانه قام بفضح النظام الامريكي الذي يسعى جاهدا للقضاء على الاسلام والسيطرة الكلية على العالم وخدمة مصالح عدو الاسلام إسرائيل .
ولكم مني جزيل الشكر اخي الفاضل ابو ملاك كما اتمنى لو بامكاننا انحصل على فرصه مماثله في اعلامنا العربي لنظهر بعض ما يخفيه فساد الحكومات العربية ودعماها الكامل لخادم إسرائيل والقوة المسيطرة الظالمة على العالم امريكا
أختي الكريمة وأخي الكريم
ردحذفشكراً لقرائتكم المقالة وتفاعلكم
أخي الكريم، صحيح ما ذكرته في أن فيلم الرجل الحديدي يحوي رسائل سياسية مبطنة قد نتناول بعضاً منها لا حقاً. وهو إن كان اتهم شركات الأسلحة بالفساد إلا أنه يركز على فكرةالبطل الغربي القادم من وراء البحار لإنقاذ شعوب العالم وهي رسالة موجهة لشعوب العالم وللشعب الأمريكي بشكل أخص عام 2008 قبل الانتخابات الرئاسية.
على كلٍ، المقالة تناولت بعداً أخلاقياً كان فيه الفيلم مجرد مثال توضيحي لفكرة تزوير معنى الكمال
أخي أتفق معك كثيراً ، ولا أخفيك أني فكرت مليّاً في هذه المسألة ولعلي تعاطيت ذات الفكرة بطريقة مختلفة \
ردحذفسأكون فخوراً جداً بقراءتك..
http://www.sra7h.com/articles.php?action=show&id=211
لا يخلو مشاهدة مثل هذه الافلام من اثم اضاعة الوقت والعمر اضافة الى تسليم الوجدان لصياغة خفية يصنعها الغربيون غير المسلمين.. فتهوى النفوس حياتهم وعاداتهم وتآلفها بل وتبدآ بالتنكر لآمور الحلال والحرام ولاعرافنا الشرقية.. ليساهم كل ذلك في صنع شباب مضطرب الهوية وتائه الشخصية.. يسهل على الكثير من افراده خيانة امته ودينه وتطلعات اهله واخوانه.. ينشآ شباب فريد لا هو منا ولا هو منهم.. بل هو لنفسه وانانيته.. فانا لله وانا اليه راجعون
ردحذفنصرالله
أخي محمد
ردحذفقرأت مقالتك وأشكرك على إتاحة الفرصة لي للاطلاع عليها.